كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: كانت قريش يطعمون الحاج ولا يطعمون المؤمنين فنزلت قاله الفراء. وقيل: أراد بالزكاة هاهنا الإيمان لأنه يزكي النفس من دون الشرك. ثم ذكر جزاء المطيعين وهو ظاهر. والممنون المقطوع. وقيل: هو من المنة. قال جمع من المفسرين: نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون.
لما حكى بعض قبائح المشركين وسائر الكفرة أراد أن يورد دليلًا على التوحيد فأمر رسوله أن يوبخهم بقوله: {أئنكم لتكفرون بالذي} سمعتم ممن تصدّقونهم من أهل الكتاب غيركم أنه {خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا} عمم الكفر أوّلًا ثم خصص بنوع الشرك {وجعل فيها رواسي} ومعنى {من فوقها} أي بالنسبة إلى سكان المعمورة تذكيرًا لنعمة فوق نعمة فإن الجبال منافعها أكثر من أن تحصى يعرف بعضها أهلها ولعلنا قد عددنا في أوّل البقرة طرفًا منها.
{وبارك فيها} بوضع الخيرات الكثيرة فيها. قال ابن عباس: يريد شق الأنهار وخلق الجبال والأشجار والحيوانات وكل ما يحتاج إليه {وقدّر فيها أقواتها} عن مجاهد: يعني المطر فإنه بمنزلة الغذاء للأرض به حياتها. وعن محمد بن كعب: أراد أقوات أهلها ومعايشهم وما يصلحهم. وقيل: لا حاجة إلى الإضمار فإن الإضافة تحسن لأدنى ملابسة أي وقدر فيها أقواتها التي يختص حدوثها بها {في أربعة أيام} يعني مع اليومين الأوّلين فيكون إيجاد نفس الأرض في يومين وإيجاد هذه الأشياء في يومين آخرين والمجموع أربعة أيام وخلق السماء في تتمة ستة فتكون هذه الآية موافقة لسائر الآيات، وقد سبق هذا المعنى في أوّل سورة البقرة. من قرأ {سواء} بالرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو سواء. ثم إن كان الضمير للأربعة فمعناه أن تلك الأيام مستوية في الطول والقصر كأيام خط الاستواء، أو هي تامة غير ناقصة بشيء فقد يطلق لفظ الكل على الأكثر، وهذه إحدى فوائد العدول عن العبارة الصريحة وهي أن لو قال في يومين آخرين. وقال بعضهم: من فوائده أنه لا يجوز عطف قوله: {وجعل} على {خلق} لأن قوله: {وتجعلون} معطوف على {لتكفرون} ولا يجوز أن يحال بين صلة الموصول وما يعطف عليه بأجنبي لا يقال: جاءني الذي يكتب وجلس يقرأ فلابد من إضمار فعل مثل الأول فتقدير الكلام: ذلك أن رب العالمين خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام، وهو كلام لا يرد عليه سؤال أصلًا. ومن قرأ بالجر فعلى وصف الأربعة بالاستواء والمعنى كما مر. ومن قرأ بالنصب فعلى المصدر أي استوت استواء. ثم إن كان الضمير للأربعة فالمعنى كما قلنا، وإن كان للأقوات. وكذا في قراءة الرفع احتمل أن يكون {للسائلين} متعلقًا به أي الأقوات والأرزاق سواء لمن سأل ولمن لم يسأل لما روى عن ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا رديفه يقول: خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة سواء لمن سأل ولمن لم يسأل، وأنا من الذين لم يسألوا الله الرزق، ومن سأل فهو جهل منه. واحتمل أن يكون قوله: {للسائلين} متعلقًا بقوله: {وقدّر} أي قدّر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها وهم في الاحتياج سواء. وقيل: إنه متعلق بمحذوف كأنه قيل: هذا الحصر والبيان لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها، لأن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قوله: {ثم استوى إلى السماء} أي توجه بداعي الحكمة بعد خلق الأرض لا دحوها إلى خلق السماء، وقد مر في أول البقرة.
قوله: {وهي دخان} ذكر أصحاب الأثر وجاء في أوّل توراة اليهود أن عرش الله قبل خلق السموات والأرض كان على الماء فأحدث في ذلك الماء سخونة فارتفع زبد ودخان، أما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق الله منه الأرض، وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق الله منه السموات. وزعم المتكلمون أن الله سبحانه خلق الأجزاء التي لا تتجزأ فكانت مظلمة عديمة النور، ثم ركبها وجعلها سموات وكواكب وشمسًا وقمرًا وأحدث صفة الضوء فيها فحينئذ صارت مستنيرة فصحت تسمية تلك الأجزاء قبل استنارتها بالدخان، لأنه لا معنى للدخان إلا أنها أجزاء متفرقة غير متواصلة عديمة النور. واعلم أن ظاهر قوله: {ثم استوى} يدل على أن خلق السماء متأخر عن خلق الأرض وقد جاء مثله في آيات أخر. وفي الآثار، إلا أن الواحدي نقل في البسيط عن مقاتل أنه قال: خلق الله السماء قبل الأرض فتأوّل الآية بأن لفظة كان مضمرة أي ثم كان قد استوى كما في قوله تعالى: {إن يسرق فقد} [يوسف: 77] أي إن يكن يسرق. وزيف بأن الجمع بين {ثم} الدال على التأخر وبين إضمار كان الدال على التقدم جمع بين النقيضين. ويمكن أن يجاب بأن {ثم} هاهنا لترتيب الأخبار. وقال الإمام فخر الدين الرازي: المختار عندي أن تكوين السماء مقدم على تكوين الأرض والخلق الوارد في الآية بمعنى التقدير كقوله: {خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: 59] فإن إيجاد الموجود محال. فمعنى الآية أنه قضى بحدوث الأرض في يومين أي حكم بأنه سيحدث كذا في مدة كذا. قلت: لو لم يكن قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها} إلى قوله: {أربعة أيام} لكان هذا التأويل له وجه. وقال بعض الصوفية: خلق أرض البشرية في يومي الهواء والطبيعة وهما من الأنداد، وجعل لها رواسخ العقل من فوقها لتستقر بها، وبارك فيها بالحواس الخمسة، وقدر فيها أقواتها من سائر القوى البشرية في تتمة أربعة أيام يعني في يومي الروح الحيواني والطبيعي، ثم استوى إلى سماء القلب وهي دخان نار الروحانية فقضى سماء القلب أطوارًا سبعة كقوله: {وقد خلقكم أطوارًا} [نوح: 15] أوّلها الوسوسة ثم الهواجس ثم الرؤية {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11] ثم الحكمة ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه ثم ظهور المغيبات ثم المحبة ثم التجلي في يومي الروح والإلهام الرباني. قوله: {فقال لها وللأرض ائتيا} الآية.
للمفسرين فيه قولان: الأول إجراء الكلام على ظاهره فإنه ليس بمستبعد من الله إنطاق أيّ جسم فرض بل إيداع الحياة والفهم فيه ولهذا قال: {طائعين} على لفظ جمع المذكر السالم، فإن جمع المؤنث السالم لا يختص بالعقلاء. ووجه الجمع أن أقل الجمع اثنان أو لأن كل واحد منهما سبع. ومن هؤلاء من قال: نطق من الأرض موضع الكعبة، ومن السماء ما بحذائها، فجعل الله لها حرمة على سائر الأرض. وعلى هذا القول لابد أن يكون هذا التخاطب بعد الوجود فقالوا: معناه ائتيا بما خلقت فيكما أما أنت يا سماء فأطلعي الشمس والقمر والنجوم، وأما أنت يا أرض فاخرجي ما خلقت فيك من النبات فقالتا: جئنا بما أحدثت فينا مستجيبين لأمرك. ومعنى الإتيان الحصول والوقوع كما يقال: أتى عمله مرضيًا. ويجوز أن يراد لتأت كل منكما صاحبتها الإتيان الذي تقتضيه الحكمة من كون الأرض قرارًا والسماء سقفًا لها.
وقوله: {طوعًا أو كرهًا} إظهار لكمال القدرة والتقدير أبيتما أو شئتما كما يقول الجبار لمن تحت يده: لتفعلن هذا شئت أو أبيت، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعين أو كارهين. والقول الثاني أن هذا تمثيل لنفوذ قدرته فيهما ولا قول ثمة، وعلى هذا لا يبعد أن يكون المقصود إيجادهما على وفق إرادته وهما في حيز العدم، وأن يكون المراد ما تقدم. وقال بعضهم: الطوع يرجع إلى السماء لأن أحوالها على نهج واحد لا يختلف. وشبه مكلف مطيع والكره يعود إلى الأرض لأنها مكان تغيير الأحوال ومحل الحوادث والمكاره. قلت: لعل هذين الوصفين لهما باعتبار سكانهما. قوله: {فقضاهن} قضاء الشيء إتمامه والفراغ منه مع الإتقان. والضمير إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سموات سبع. وانتصب {سبع سموات} على الحال. وإما مبهم مميز بما بعده. يروى أنه خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين، وخلق سائر ما في الأرض في يوم الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم وأسكنه الجنة وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة.
{وأوحى في كل سماء أمرها} أي أمر أهلها من العبادة والتكليف الخاص بكل منهم، فبعضهم وقوف وبعضهم ركوع وبعضهم سجود، وعلى هذا احتمل أن يكون خلق الملائكة مع السموات وقبلها. وقيل: الإيحاء هاهنا التكوين والإيجاد وأمرها شأنها وما يصلحها {وزينا السماء الدنيا بمصابيح} أي بالنيرات المضيئة كالمصباح {وحفظناها} حفظًا من الشياطين المسترقة للسمع كما مرّ مرارًا. وجوّز جار الله أن يكون {حفظًا} مفعولًا له على المعنى كأنه قال: وخلقنا المصابيح زينة {وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم} فلكمال عزته قدر على خلق ما خلق ولشمول علمه دبر ما دبر.
ثم قال لنبيه عليه السلام {فإن أعرضوا} عن التوحيد بعد هذا البيان الباهر والبرهان القاهر {فقل أنذرتكم صاعقة} لأن الإصرار على الجهل بعد وضوح الحق عناد، ولا علاج للمعاند سوى التأديب بما يناسبه.
يروى أن أبا جهل قال في ملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلًا عالمًا بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان عن أمره. فقال عتبة بن ربيعة: أنا ذاك. فأتاه وقال: أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا وتضللنا. وعرض عليه الرياسة والنساء والأموال إن ترك ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم} إلى قوله: {مثل صاعقة عاد وثمود} فهال عتبة بذاك وناشده بالرحم ورجع ولم يأت قريشًا. فلما احتبس عنهم قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبأ. فانطلقوا إليه فقال: والله لقد كلمته فأجابني بشيء، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ولما بلغ {صاعقة عاد وثمود} ناشدته بالرحم أن يكف. ولقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب. فإن قيل: كيف يصح هذا الإنذار وقد أخبر الله سبحانه في قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33] وإن هذه الأمة آمنون من العذاب؟ قلنا: الأنفال مدنية وهذه مكية. قوله: {إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم} قيل: الضميران عائدان إلى الرسل أي جاءهم رسل بعد الرسل. وقيل: من بين أيديهم أي حذروهم الدنيا {ومن خلفهم} الآخرة. وقيل: من بين أيديهم الذين عاينوهم، ومن خلفهم الذين وصل إليهم خبرهم وكتبهم. وحقيقة بين يديه أن يستعمل للشيء الحاضر، ومجازه أن يستعمل للشيء الماضي بزمان قريب. وقال بعض المحققين: معناه أتاهم الرسل من كل جهة وأعملوا في إرشادهم كل حيلة {أن لا تعبدوا} ويجوز أن تكون {أن} مفسرة أو مخففة وضمير الشأن مقدر. والفاء في قوله: {فإنا} للجزاء كأنه قيل: فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة فانا لا نؤمن بكم.
وقولهم {ربنا} وكذا بما أرسلتم أي على زعمكم، أو أرادوا التهكم. ثم فصل حال كل فريق قائلًا {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق} وهذا إخلال بالشفقة على الخلق {وقالوا من أشد منا قوّة} وهذا إخلال بالتعظيم لأمر الله ولهذا وبخهم بقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوة} لأن الفاعل والعلة أقوى من القابل والمعلول، والقوة في الإنسان نتيجة صحة البنية والاعتدال وحقيقتها زيادة القدرة فلذلك جاز أن يقال: الله أقوى منهم كما صح أن يقال: الله أقدر، الله أكبر. وإن كان لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي.
وقوله: {وكانوا بآياتنا يجحدون} معطوف على قوله: {فاستكبروا} وقالوا: إن التوبيخ المذكور وقع اعتراضًا في البين.
ثم أخبر عن إهلاكهم والصرصر الريح الباردة الشديدة ضوعفت من الصر بالكسر وهو البرد الذي يصر أي يجمع ويقبض، أو من صرير الباب. والتركيب يدور على الضم والجمع. عن ابن عباس أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي ومع ذلك أهلكت الكل. والأيام النحسات هي التي فسرها الله سبحانه في الحاقة {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام} [الآية: 7] والنحس بالسكون ضد السعد وهو إما مخفف نحس بالكسر أو هو أصل في نفسه كضخم، أو وصف لمصدر. واستدل به بعض الأحكاميين على أن بعض الأيام يصح وصفه بالسعادة وبعضها بضدها. وأجاب بعض المتكلمين بأن المراد بالنحوسة كونها ذات غبار وتراب وبرد. والإنصاف أنه تكلف خارج عن قانون اللغة. والإضافة في قوله: {عذاب الخزي} كهي في قولك: رجل صدق.
وقوله: {ولعذاب الآخرة أخزى} من الإسناد المجازي فإن الذل والهوان لصاحبه. قوله: {وأما ثمود} مرتفع على الابتداء. قوله: {فهديناهم} خبره قال سيبويه: هذا أفصح لأن أما من مظان وقوع المبتدأ بعده. وقرئ بالنصب إضمارًا على شريطة التفسير. واتفقوا على أن المراد بالهداية هاهنا الدلالة المجردة لقوله بعده {فاستحبوا العمى} يعني عمى البصيرة وهي الضلالة {على الهدى} إلا أن المعتزلة تأوّلوه بأنه إنما شاع استعماله في الدلالة المجردة لأنه مكنهم وأزاح علتهم فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها. على أن المراد المعقولة ونقيضها، وقد مر هذا البحث في أول البقرة في قوله: {هدى للمتقين} [الآية: 2] وصاعقة العذاب داهيته وقارعته، والهون مصدر بمعنى الهوان وصف به العذاب مبالغة، أو أبدله منه وكسبهم شركهم وتكذيبهم صالحًا وعقرهم الناقة. ثم بين أحوال الذين آمنوا واتقوا المعاصي بقوله: {ونجينا} الآية. وحين بين عقوبتهم في الدنيا أخبر عن عذابهم وعذاب أمثالهم في الآخرة فقال: {ويوم يحشر} الآية. والعامل فيه اذكر محذوفًا، أو هو ظرف لما يدل عليه {يوزعون} كأنه قيل: يمنعون يوم يحشر فيحبس أوائلهم حتى يلحق بهم أواخرهم. قال جار الله: هو عبارة عن كثرة أهل النار. قلت: وذلك لأن الإيزاع لا يحتاج إليه إلا عند كثرة العدد كما مر في النحل. وما الإبهامية في قوله: {حتى إذا ما جاؤها} تفيد التأكيد. وهو أن عند وقت مجيئهم لابد أن تحصل هذه الشهادة وشهادة الجلود بملامسة ما هو محرم. وعن ابن عباس: المراد شهادة الفروج فيكون كناية. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «أوّل ما يتكلم من الآدميّ فخذه وكفه» وفيه وعيد شديد في فعل الزنا لأن مقدمته تحصل بالكف ونهايته تكون بمساعدة الفخذ. قوله: {أنطق كل شيء} من العمومات المخصوصة أي ممن يصح النطق منه. والمراد أن القادر على خلقكم وإنطاقكم في المرة الأولى في الدنيا، ثم خلقكم وإنطاقكم مرة أخرى، وثالثة في القبر وفي القيامة، كيف يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء؟ وقد مر تمام البحث في يس.
عن ابن مسعود قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشيّ فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال آخر: إذا رفعنا أصواتنا يسمع وإلا لم يسمع. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا رفعنا أصواتنا يسمع إذا خفضنا. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل {وما كنتم تستترون} الآية. وذلك أنهم كانوا يستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب القبائح فقيل لهم: ما كان استتاركم ذلك خفية أن تشهد عليكم جوارحكم هذه، لأن ذلك غير ممكن فإنها متصلة بكم وهي أعوانكم ومع ذلك لم يكن استتاركم في اعتقادكم أنها تشهد عليكم ولكنكم استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما كنتم تعملون وهو الخفيات من أعمالكم. وفيه ردّ على بعض الجهلة الذين يستخفون من الناس ولا يمكنهم الاستخفاء من الله، وفيه تنبيه على أن المؤمن يجب عليه أن يكون في أوقات خلواته أهيب لربه وأوفر احتشامًا ومراقبة. ثم أخبر {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم} ولا ينتج الصبر لهم فرجًا وخلاصًا {وإن يستعتبوا} يطلبوا من الله الرضا عنهم {فما هم من المعتبين} أي من المرضيين. والمراد أنهم باقون في مكروههم أبدًا، سكتوا أو نطقوا. قال الضعيف مؤلف الكتاب: إذا كان هذا وعيد من ظن أنه يمكن إخفاء بعض الأعمال من الله بالأستار والحجب فما ظنكم بوعيد من جزم أنه سبحانه غير عالم بالجزئيات نعوذ بالله من هذا الاعتقاد والله أعلم. اهـ.